[b][center]أسماء بنت عميس الخثعمية رضي الله عنها
رشيد أبو السمح
- نسبها :
هي أسماء بنت عميس بن معد بن تيم بن الحارث بن كعب بن مالك الخثعمية، وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة من جرش، رضي الله عنها وأرضاها.
وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت لبابة أم الفضل زوجة العباس، وأخت أخواتها لأمهم، فأسماء وأختها سلمى وأختها سلامة الخثعميات هن أخوات ميمونة لأم (1).
أسلمت قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم بمكة، وبايعت وهاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فولدت له هناك عبد الله ومحمدا وعونا، ثم قتل عنها جعفر بمؤتة شهيدا في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة (2).
ولما قتل جعفر بن أبي طالب تزوجها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فولدت له محمد بن أبي بكر، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فولدت له يحيى بن علي بن أبي طالب (3).
- بعض فضائلها رضي الله عنها:
أسماء بنت عميس رضي عنها صحابية جليلة من المهاجرات الأول، آمنت برسول الله في أول دعوته مع زوجها جعفر وكانت امرأة فاضلة، تربت على يد أفضل الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وكانت أكرم الناس أصهارا، فمن أصهارها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسد الله حمزة رضي الله عنه زوج أختها سلمى بنت عميس، والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وغيرهم، كما كانت أيضا من أكرم النساء أزواجا، فقد كانت رضي الله عنها تحت ثلاثة من خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاثة من قادة الأمة ورجالها العظماء وهم جعفر بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجميعن.
* راوية لحديث رسول الله:
روى عنها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب، وابن عباس، وأبو موسى الأشعري، وابنها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وابن أختها عبد الله بن شداد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والشعبي، والقاسم بن محمد (4).
* نعم السند لزوجها:
«لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية، بمكانه من الله عز وجل ومن عمه أبي طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه".
فخرج عند ذلك المسلمون من أصحابه صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا إلى الله بدينهم. فكانت أول هجرة في الإسلام» (5).
لقد كانت رضي الله عنها مع زوجها جعفر بن أبي طالب ممن وقع عليهم الاختيار من طرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونوا وفده إلى الحبشة في أول هجرة للمسلمين. فعاشت بذلك مع زوجها محنة شديدة في سبيل الله، تركت قومها وقد كانت من أعزهم نسبا، وتركت دارها وعزها وشرفها كي تهاجر وتقيم مع زوجها في بلاد البعداء البغضاء، لا لشيء سوى طلبا لرضا الله عز وجل ونصرة لدينه ولرسوله عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم.
* الزوجة والأم المثالية:
كانت رضي الله عنها طوال تلك المدة التي قضتها مع زوجها في الحبشة، ورغم تلك المحنة، نعم السند لزوجها ونعم الزوجة الصالحة ونعم الأم المثالية لأبنائها، صبرت وثبتت كي تخلد مثالا يحتدى لكل النساء المسلمات، وكي تظل أسوة وقدوة يرجع إليها فيما يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة زوجة وأما، حيث ربت أبناءها تربية صحيحة فاضلة حتى في أرض الغربة وبلاد الكفر.
* هجرتان في الإسلام:
كانت أسماء بنت عميس رضي الله عنها مع زوجها جعفر ممن أقام بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم زهاء خمسة عشر عاما في أول هجرة للمسلمين من مكة، حتى بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري فحملهم في سفينتين، فقدم بهم عليه وهو بخيبر بعد الحديبية سنة سبع للهجرة، فكانت تلك هجرتهم الثانية إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعد قدومها من أرض الحبشة، كانت رضي الله عنها عند أم المؤمنين حفصة زائرة، فدخل عليهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لها:
«الحبشية هذه، البحرية هذه، قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم. فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا، قال: فما قلت له؟ قالت: قلت له كذا وكذا، قال: ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم» (6).
- استشهاد زوجها جعفر:
استشهد زوجها جعفر بن أبي طالب بمؤتة من أرض الشام وكان أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة.
وقالت رضي الله عنها تصف لحظة تلقيها نبأ استشهاده: «قالت: أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر وأصحابه، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد هنأت، يعني دبغت أربعين إهابا من أدم وعجنت عجيني وأخذت بني فغسلت وجوههم ودهنتهم، فدخل علي رسول الله فقال: يا أسماء أين بنو جعفر؟ فجئت بهم إليه فضمهم وشمهم ثم ذرفت عيناه فبكى فقلت: أي رسول الله لعله بلغك عن جعفر شيء. قال: نعم قتل اليوم. قالت: فقمت أصيح فاجتمع إلي النساء. قالت: فجعل رسول الله يقول: يا أسماء لا تقولي هجرا ولا تضربي صدرا. قالت: فخرج رسول الله حتى دخل على ابنته فاطمة وهي تقول: وا عماه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على مثل جعفر فلتبك الباكية. ثم قال رسول الله: اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم» (7).
هكذا شأن الزوجة المسلمة الصالحة، يخرج زوجها للجهاد وهي تعتني بأبنائه وتربيهم وتقوم بحقهم، وتنشئهم التنشئة الإسلامية الصحيحة.
وقد كانت رضي الله عنها امرأة فصيحة بليغة، رثت زوجها جعفر بقصيدة تقول فيها:
فآليت لا تنفك نفسي حزينة *** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فلله عينا من رأى مثله فتى *** أكر وأحمى في الهياج وأصبرا (
- زواجها بعد جعفر:
بعدما اعتدت رضي الله عنها من وفاة زوجها جعفر، أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، كي تظل بجوار أحد رجال الأمة وتستمر في دورها الطبيعي والعظيم في تربية الأبناء، وصناعة الرجال والنساء، فأمثال هؤلاء النساء جليلات القدر، وهن قدوة لنساء الأمة، أجل من أن تحبس نفسها من أجل أبنائها فحسب، بل تتزوج وتستأنف رسالتها، كي تبقى بجوار رجل من رجال الأمة وقادتها زوجة صالحة، ومربية أمينة، وموجهة لرجال الغد.
ولما أتى النبي صلى الله عليه وسلم ذا الحليفة يريد حجة الوداع، وصلى بها، قدر الله أن ولدت بها أسماء بنت عميس محمدا بن أبي بكر، فأمرت أن تغتسل وتحرم وهي نفساء.
فقد روى ابن سعد في طبقاته عن سعيد بن المسيب قال: «نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بذي الحليفة، فهم أبو بكر بردها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مرها فلتغتسل ثم تحرم» (9).
وهكذا كانت رضي الله عنها سببا في تشريع هذا الحكم الجليل لنساء الأمة، حكم يهم شعيرة عظيمة وركنا ركينا من أركان الإسلام.
وقد تواترت الأخبار أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، لما يعلمه من علمها وفقهها، أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، فكان ذلك وهي صائمة رضي الله عنها يوم وفاته.
فعن عبد الله بن أبي بكر «أن أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق غسلت أبا بكر حين توفي، ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: إني صائمة وهذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل؟ فقالوا: لا.
وفي رواية قال: "غسلته في غداة باردة فسألت عثمان هل عليها غسل؟ فقال: لا. وعمر يسمع ذلك فلا ينكره» (10).
ثم بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومما يذكر بعد زواجها من علي قصة طريفة أبانت عن حكمتها رضي الله عنها في التعامل مع تفاخر ابنيها من زوجيها السابقين، كل يفخر بأبيه، وتصرفها تصرف المرأة اللبيبة الحريصة.
فقد «تفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر، فقال كل واحد منهما: أنا أكرم منك وأبي خير من أبيك. فقال لها علي: اقضي بينهما يا أسماء. قالت: ما رأيت شابا من العرب خيرا من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبي بكر. فقال علي: ما تركت لنا شيئا، ولو قلت غير الذي قلت لمقتك. فقالت أسماء: إن ثلاثة أنت أخسهم لخيار» (11).
- وفاتها رضي الله عنها:
لم أقف في وفاتها رضي الله عنها على تاريخ يذكر، سوى أنها ماتت بعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه (12).
______________________
-
ا